قبل الدخول في الانعكاسات السلبية للألعاب التكنولوجية على نفسية الطفل، ماذا عن الإيجابيات؟
- «مما لا شك فيه أن الألعاب التكنولوجية تنمي القدرة لدى الطفل أو المراهق على حل المشكلات التي تواجهه والتعامل مع المواقف التي قد تفاجئه، وتسبب له أزمات معينة. ويتجلى الجانب الإيجابي لهذه الألعاب في تعزيز التفاعل مع الآخرين، نظراً إلى ما تتطلبه من بناء فريق كامل من أفراد فعليين، ومن إصرار للوصول إلى النهاية المرجوة. ولا يجب أنْ ننسى دور الألعاب التكنولوجية في تنمية المهارات. كما من الملاحَظ أن ممارسة بعض الهوايات الرياضية عبر هذه الألعاب، كالتنس أو كرة القدم أو البولينغ على سبيل المثال، يؤدي فعلاً إلى زيادة الكفاءة في ممارستها على أرض الواقع. وهناك جانب آخر إيجابي للألعاب التكنولوجية يتمثل في تعزيز عملية الثقافة، باعتبار أنها تسمح للأفراد بالتعرف على آخرين من ثقافات مختلفة».
{ ماذا عن الانعكاسات السلبية؟
- «إذا أردنا تناول الانعكاسات السلبية لهذه الألعاب، لوجدنا أن كفة الميزان، إن جاز التعبير، ترجح بقوة باتجاهها، إلى درجة أنها قد تلغي إلى حد ما الإيجابيات التي أوردناها. أما أبرز أضرارها فتتجلى في مستويات حياة الأطفال والمراهقين كافة، فتنعكس بالضرورة سلبياً على صحتهم النفسية.
وعلى المستوى الجسدي، تسبب الألعاب التكنولوجية أمراضاً في الجهاز العصبي نتيجة تكرار الحركات نفسها وسرعتها الكبيرة، بالإضافة إلى ضعف النظر بسبب التعرض بشكل مستمر للأشعة الكهرومغناطيسية، فضلاً عن آلام الرقبة وأسفل الظهر.
وعلى المستوى السلوكي، يتولد السلوك العنيف جراء ممارسة بعض الألعاب التكنولوجية لأنها ترتكز على الاستمتاع بالاعتداء على الآخرين وقتلهم، أضِف إلى تدمير ممتلكاتهم. كما تعلم الأطفال والمراهقين، على حد سواء، كيفية التخطيط بغية ارتكاب الجرائم. ومما لا شك فيه أن هذه الألعاب تسبب، عموماً، الرسوب المدرسي نتيجة التلهي عن الدرس، بالإضافة إلى أنها تدفع من يُمارسها إلى السهر لساعات طويلة مما يضعف التركيز في الصف. كما يُلاحظ أن هناك تلاميذ يعزفون عن الذهاب إلى المدرسة، ويقضون يوم دراستهم في مقاهي «الإنترنت» للعب. كل هذه الانعكاسات المذكورة تُلقي بثقلها على الصحة النفسية للطفل أو المراهق الذي يمارسها على الدوام. ويتجلى أبرزها في الإدمان على الألعاب التكنولوجية، ما ينعكس سلباً على علاقاته الاجتماعية، ويؤدي بالتالي إلى صعوبة التأقلم مع محيطه الواقعي، لأن الشخصية الافتراضية تنمي الانفصال عن هذا المحيط. ويتحول ممارسوها من الأطفال والمراهقين إلى أفراد غير اجتماعيين لأنهم يفقدون مهارات التواصل والتعامل مع الآخرين. كما يعزز قضاء ساعات طويلة لممارسة هذه الألعاب الابتعاد عن الأسرة».
الانطواء والتوحّد
{ هل صحيح أن استخدام الألعاب المتزايد قد يتسبب بانطواء الفرد وإصابته بالتوحّد؟
- «مما لا شك فيه أن قضاء الطفل أو المراهق أمام شاشة «الكمبيوتر»، أو الـ«آيباد»، أو الهاتف الذكي لساعات طويلة يؤدي إلى إدمانه عليها نتيجة السعي وراء المتعة التي تزوده بها هذه الألعاب. فيدخل في حالة انطواء، وينسحب بالتالي، تدريجياً، من العالم الخارجي نتيجة افتقاده لمهارات التواصل والتعامل مع المحيطين، بالإضافة إلى إقامة الصداقات.
ويؤدي انطواء الطفل، خصوصاً، إلى ضعف مهاراته اللغوية الذي ينعكس سلباً على وظائف دماغه، لأنه كما هو معلوم، يعزز النمو السليم للغة قدرة دماغ الطفل على التفكير اللفظي، كما يؤدي دوراً مهماً في تطوره المعرفي. وإذا ما كان لدى هذا الطفل استعداد عضوي أو خلل جيني لمرض التوحد، قد يقع ضحية له. ويظهر ذلك من خلال عدوانيته التي تظهر بشكل مفاجئ، وانطوائه، أضِف إلى صعوبة واضحة في التواصل اللغوي وخصوصاً الكلامي. ولا يجب أنْ ننسى أن العلاقة بين الطفل وجهازه (آيباد، مثلاً) تصبح وثيقة، فتحل محل العلاقة مع أفراد أسرته، وأصدقائه، وجيرانه. ويصبح هذا الجهاز وكل ما يولده من متعة عالمه الخاص والوحيد إلى حد ما».
{ هناك مقولة تشير إلى أن هذه الألعاب يمكن أنْ تؤدي إلى الإصابة بداء الصرع، بالإضافة إلى أمراض نفسية أخرى، إلى أي مدى يُعدّ ذلك صحيحاً؟
- «أصبح معلوماً أن الصور المتوهجة الموجودة على الشاشات قد تؤثر على الطفل أو المراهق المعرض للإصابة بداء الصرع بسبب حساسيته تجاهها، وخصوصاً الصور الثابتة. وقد كشفت بعض الدراسات الحديثة أن هناك علاقة سببية بين ممارسة الألعاب التكنولوجية لساعتين أو أكثر وبين الإصابة بداء الصرع. ويعود السبب إلى ظهور ما يُعرف بموجات «غاما» في الدماغ تطلِق نوبات الصرع، وتحديداً في منطقة القشرة البصرية حيث تؤثر بقوة على المحفزات البصرية.
ومما لا شك فيه أن ممارسة الألعاب التكنولوجية لساعات طويلة تؤثر سلباً، كما أسلفنا، على اضطراب النفسية كالعدوانية، والإنطواء، والتوحد.. ويرتبط ذلك بمدى استعداد الطفل أو المراهق لهذه الاضطرابات أو الأمراض النفسية».
خطر الموت والانتحار
{ ظهرت مؤخراً ألعاب خطيرة مثل لعبة «مريم» و«الحوت الأزرق» اللتين تعززان ميول العنف والعدوانية لدى الأطفال، فما هو تعليقك، لا سيما أننا نشهد حوادث عدة ومنها حالات انتحار؟
- «قبل تناول مخاطر هاتين اللعبتين على المستوى النفسي، لا بد من التطرق إلى خطرهما العام الذي يتجلى في قدرتهما على خرق خصوصية الطفل وانتهاكها، والدخول إلى ملفات هاتفه، مما يعرضه إلى الاستغلال.
في البدء توفر اللعبتان للطفل أو المراهق، كغيرهما من الألعاب التكنولوجية الخطيرة، الإحساس بالاستمتاع، وتمدانه بالشعور بالتشويق، مستغلتين بذلك عدم قدرتهما على التفكير العقلاني، وعدم نضجهما النفسي. ومع مرور الوقت، يزداد التشويق والاستمتاع، ومع قضاء ساعات طويلة أمام الشاشة للإجابة على الأسئلة المطروحة ولإتمام المهمات التي تتزايد خطورتها تدريجياً، ينصهر الخيال الذي تطلقه مثل هذه الألعاب، فيصبح التمييز بين ما هو حقيقي وما هو غير حقيقي ضعيفاً كثيراً، ويصبح كل ما في الحياة وهمياً إلى حد كبير. ويترافق ذلك مع مؤثرات صوتية يتعرض لها الطفل أو المراهق كموسيقى معينة تشعره باكتئاب أو بحماس كبير، كأنما هناك نوع من التنويم المغناطيسي نتيجة التأثر بالإيحاء، ويتحوّل بالتالي إلى «روبوت» ينفذ ما يطلبه مالكه حتى لو طلب منه القفز من على السطح أوطعن نفسه بسكين أو إيذاء الآخرين. هذا عدا عن أن هذه الألعاب تقضي على المشاعر الطبيعية كالشعور بالذنب والندم عند تنفيذ أية من المهام المطلوبة».
{ ما النصيحة التي تتوجهين بها إلى الأهل، وبالتالي ما هو الوقت الذي يجب أن يسمح به لممارسة هذه الألعاب الإلكترونية؟
- «يتطلب النمو النفسي والعقلي السليم للأطفال فرصاً لتحقيق علاقات أسرية سوية. ومما لا شك فيه أنّه كلما تعزّز التواصل السليم والحوار السوي بين الوالدين والطفل أو المراهق حول مواضيع تهمه، ووفر ذلك الثقة، كلّما وجد الطفل أو المراهق متعة في قضاء وقته مع أفراد أسرته أكثر من جهازه (الآيباد، الهاتف الذكي...). كما يتوجّب على الوالدين تشجيع طفلهما على قراءة القصص المتناسبة مع عمره لأنها تدفعه إلى التحليل. فبدل من أنْ يستقبل بشكل سلبي ما يراه على الشاشة ويدخل في عالمها ويصل إلى درجة من التبلد، ستتعزز لديه القدرة على التفكير السليم عبر ربطه المنطقي لأحداث القصة، على سبيل المثال، والتنبؤ بنهايتها.
ويتبدّى أيضاً دور اللعب التقليدي، إن جاز التعبير، مع الأصدقاء وأطفال الجيران، وأهميته في كونه يعد مجموعة من السلوكيات التي تشكل أسساً في النمو الاجتماعي والانفعالي للطفل. هذا، بالإضافة إلى أنه يتيح له ممارسة مهارات التنسيق، خصوصاً، عبر الحركات اليدوية التي يتطلبها. وهنا، يجب الإشارة إلى أن التنبه العقلي يتحقق بشكل أفضل مع تعلم الأداء اليدوي واللمسي والفعل. أما في ما يتعلق بعدد الساعات الذي يجب أن يحدّده الأهل، فلا يجب أن يتعدّى الساعة يومياً في العطلة الصيفية، وفي الفصل الدراسي، يفضل أن تكون في عطلة نهاية الأسبوع فقط. ويجب أن يوفر الوالدان بديلاً عن هذه الألعاب، كقراءة القصص ومشاركة طفلهما في مشاهدة الرسوم المتحركة والأفلام المناسبة لعمره، بالإضافة إلى تنمية هوايته الرياضية، واصطحابه خارج المنزل في النزهات وغيرها».
(0) التعليقات